«عمر بن عبدالعزيز»
بقلم الاء محمد ابراهيم
كاتبه وباحثة في الآثار المصرية وعضو بفريق رواق لنشر الثقافة الأثرية .
«بسم الله الرحمن الرحيم»
نبدأ حديثنا عن أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز الذي اقترن إسمه بالعدل إنه الرجل الذي حاول أن ينقل عصر النبوة والوحي بكل أخلاقه ومبادئه وفضائله ومثله إلى الناس ليستظلوا بظلالها ويستدفئوا برحمتها وقد نجح فى ذلك .
اسم عمر ونسبة :
هو عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص ابن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أمير المؤمنين أبو حفص القرشي الأموي،الدمشقي .
نشأة عمر بن عبدالعزيز :
نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة، فلما شب وعقل وهو غلام صغير كان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه منه، ثم يرجع إلى أمه فيقول: «يا أمه، أنا أحب أن أكون مثل خالي»، يريد عبد الله بن عمر، وكان عمر بن عبد العزيز منذ صغره شديد الإقبال على طلب العلم، وكان يحب المطالعة والمذاكرة بين العلماء، كما كان يحرص على ملازمة مجالس العلم في المدينة، وكانت يومئذ منارة العلم والصلاح، زاخرة بالعلماء والفقهاء والصالحين، وتاقت نفسه للعلم وهو صغير، وكان أول ما استبين من رشد عمر بن عبد العزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب.
عاش عمر بن عبد العزيز في زمن ساد فيه مجتمع التقوى والإقبال على طلب العلم، فقد كان عدد من الصحابة لا يزالون بالمدينة، فقد حدث عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، واستوهب منه قدحاً شرب منه النبي محمد، كما أم بأنس بن مالك فقال: «ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله "صلى الله عليه وسلم" من هذا الفتى».
صفات عمر بن عبدالعزيز :
كان "رضي الله عنه" أبيض رقيق الوجه ، مليحا ، جميلا ،نحيف الجسم ، حسن اللحية ، غائر العينين ، بجبهته أثر حافر دابة لذلك سمي " اشج بنى أمية" وقد وخطه الشيب .
أعمال عمر بن عبدالعزيز :
إمارة المدينة :
تولى عمر بن عبد العزيز إمارة المدينة في عهد الوليد، وكان ذلك في السنة السادسة والثمانين من الهجرة، وبقي إلى السنة الثالثة والتسعين للهجرة، وقيل: تولى إمارة المدينة في السنة السابعة والثمانين، وكان عادلا، واستعان بعشرة من أفاضل المدينة في حكمه؛ ليكونوا أنصارا له في الحق، وقام بتوسعة المسجد النبوي، ثم اتسعت ولايته فصار والياً على الحجاز، ونشر الأمن والعدل، وبدأ بحفر الآبار والطرق، وأعاد الأموال العامة إلى كرامتها وحرمتها، وفتح المدينة لمن كان هارباً من ظلم الطغاة.
خلافة المسلمين :
لمّا مرض سليمان بن عبد الملك طلب منه من حوله بالخلافة لعمر بن عبد العزيز، فأوصى بالخلافة له من بعده، وأشهد عليها من كان عنده، فلما توفي؛ أصبح عمر أميراً للمؤمنين، وصعد المنبر وقال: "إن هذا لأمر ما سألته الله قط"، لكن عمر بخبرته في ولاية المدينة قرابة السبع سنوات اكتسب المهارة في ولاية الدولة، واشترط ثلاثة شروط للولاية :
وهي: 1_ أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً، ولا يجور على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال.
2_ أن يسمح له بالحج في أول سنة؛ لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج.
3_ : أن يسمح له بالعطاء أن يُخرجه للناس في المدينة.
، وافق الجميع على هذه الشروط، فأصبح خليفة للمسلمين، وعين عشرة من فقهاء المدينة للشورى، وحرص على أموال الدولة، وكان دقيقاً في اختيار ولاته على الأمصار بناءً على معرفته الكاملة بأخلاقهم وقدراتهم، وكان يراقب أعمالهم ويتابعها، ومنعهم من الأعمال الأخرى؛ كالتجارة، وأعطاهم من المال ما يكفيهم ويغنيهم عن طلب الرزق، واكتفى هو بالحياة الخشنة؛ استشعاراً منه بحجم المسؤولية التي أوكلت إليه، فكان يفك بالجائع والمريض والمظلوم، الأمر الذي جعل منه شخصاً نحيف الجسم، خشن اليد.
انجازات عمر بن عبدالعزيز في خلافته :
عمل عمر بن عبدالعزيز منذ بداية حكمه علي نشر العدل وقام بعدة اشياء :
أولها : الحكم بالعدل :
كان عمر بن عبد العزيز يرى أن المسؤولية تتمثل بالقيام بحقوق الناس، والخضوع لشروط بيعتهم، وتحقيق مصلحتهم المشروعة، فالخليفة أجير عند الأمة وعليه أن ينفذ مطالبها العادلة حسب شروط البيعة.
وقد أحب الاستزادة في فهم صفات الإمام العادل وما يجب أن يقوم به ليتصف بهذه الخصلة، فكتب إلى الحسن البصري يسأله عن ذلك.
وقد أحب عمر أهل البيت وأعاد إليهم حقوقهم، وقال مرة لفاطمة بنت علي بن أبي طالب: «يا بنت علي، والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إلى منكم، ولأنتم أحب إلى من أهل بيتي».
ثانيها : عمل على رد المظالم :
بدأ عمر بن عبد العزيز برد المظالم بنفسه، روى ابن سعد: لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال: «إنه لينبغي أن لا أبدأ بأول من نفسي»، فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع، فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم، فقال: «هذا مما كان الوليد بن عبد الملك أعطانيه مما جاءه من أرض المغرب»، فخرج منه. وقد بلغ به حرصه على التثبت أنه نزع حلي سيفه من الفضة، وحلاه بالحديد.
وإذا كان عمر قد بدأ بنفسه في رد المظالم، فقد ثنى ذلك بأهل بيته وبني عمومته من الأمويين، فقد رأى أن الأمويين أدخلوا الكثير من مظاهر السلطان التي لم تكن موجودة على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو خلفائه الراشدين، فأنفقوا الكثير من المال من أجل الظهور بمظاهر العظمة والأبهة أمام رعيتهم، وفوجيء بتلك الثياب الجديدة وقارورات العطر والدهن التي أصبحت له بحجة أن الخليفة الراحل لم يصبها، فهي من حقه بصفته الخليفة الجديد، فأمر مولاه مزاحماً فور تقديم هذه الزينة له ببيعها، وضم ثمنها إلى بيت مال المسلمين.
ثالثاً : عزل الولاة الظالمين :
لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، عمد إلى جميع الولاة والحكام الظالمين فعزلهم عن مناصبهم، ومنهم خالد بن الريان صاحب حرس سليمان بن عبد الملك الذي كان يضرب كل عنق أمره سليمان بضربها، وعين محله عمرو بن مهاجر الأنصاري، فقال عمر بن عبد العزيز: «يا خالد، ضع هذا السيف عنك، اللهم إني قد وضعت لك خالد بن الريان، اللهم لا ترفعه أبداً»، ثم قال لعمرو بن مهاجر: «والله إنك لتعلم يا عمرو إنه ما بيني وبينك قرابة إلا قربة الإسلام، ولكني سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن ألا يراك أحد، فرأيتك حسن الصلاة، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي».
رابعا : العمل بالمشوري:
اهتم عمر بن عبد العزيز بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إن المشورة والمناظرة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معهما رأي، ولا يُفقد معهما حزم».
وقد تبين مبدأ الشورى في أول يوم من خلافته، حيث قال للناس: «أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي»، فصاح الناس صيحة واحدة: «قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فولّ أمرنا باليمن والبركة». وبذلك خرج عمر من مبدأ توريث الولاية الذي تبناه معظم خلفاء بني أمية إلى مبدأ الشورى والانتخاب، ولم يكتف عمر باختياره ومبايعة الحاضرين، بل يهمه رأي المسلمين في الأمصار الأخرى ومشورتهم، فقال في خطبته الأولى: «وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم، وإن هم أبوا فلست لكم بوالٍ»، ثم نزل.
خامساً : تدوين الحديث النبوي الشريف :
نهى النبي محمد عن كتابة غير القرآن في أول الأمر؛ مخافة اختلاط غير القرآن به، واشتغال الناس عن كتاب ربهم بغيره، ثم جاء بعد ذلك الإذن النبوي بتدوين الحديث الشريف فنسخ الأمر، وصار الأمر إلى الجواز. وقد ثبت أن كثيراً من الصحابة قد أباحوا تدوين الحديث وكتبوه لأنفسهم، وكتب طلابهم بين أيديهم، وأصبحوا يتواصلون بكتابة الحديث وحفظه.
ولعل طلائع التدوين الرسمي للحديث النبوي، أي الذي قامت به جهة مسؤولة في الدولة الإسلامية، كان على يدي عبد العزيز بن مروان (والد عمر) عندما كان أميراً على مصر، بيد أن التدوين الذي آتى ثماره هو ما قام به أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وقد تجلى ذلك في إرشاداته لكتابة العلم وتدوين الحديث، وأوامره للخاصة والعامة بذلك، فمن إرشاداته قوله: «أيها الناس، قيدوا النعم بالشكر، وقيدوا العلم بالكتابة».
بل إن عمر وجه أوامره إلى أهل المدينة جميعاً يأمرهم ويحثهم على جمع الحديث، يشارك في هذا كل من لديه علم، ولو كان بضعة أحاديث، فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة: «أن انظروا حديث رسول الله "صلى الله عليه" فاكتبوه، فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله». ولم يقف عمر عند ذلك، بل عمم أوامره إلى جميع الأمصار في الدولة الإسلامية، ليقوم كل عالم بجمع وتدوين ما عنده من الحديث،[ وروى: «انظروا حديث رسول "الله صلى الله عليه" فاجمعوه واحفظوه، فإني أخاف دروس العلم وذهاب العلماء».
الإصلاحات التنموية :
من خلال حفظ الأمن، والقضاء على الفتن، وإعادة توزيع الثروة والدخل، وزيادة الإنفاق على الفقراء والمحرومين.
وفي نهاية المطاف نختم مقالنا ب أن سيرة عمر كتاب منير من أسلوب الإسلام ومنطقة فى تربية الرجال العظماء يجب على الأمة أن تتمعن الفكر فيه وهى تتلوا صفحاته وسطورة ففيه القدوة الصالحة والاسوة الفذة الصالحة للحاكم والأمير والوزير والعالم والمتعلم والأب والابن الزوج والعابد والزاهد.
المصادر : حياة التابعين ص 1819
عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين ،8,20,26,27,54,55,403,