عنوان/ ألب أرسلان
ألب أرسلان "عضد الدولة"، أبو شجاع محمد بن جغري بك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق التركماني (20 يناير 1029 - 15 أو 25 أو 30 ديسمبر 1072م)، أحد أهم قادة المسلمين وكبار رجال التاريخ، وصاحب الانتصار الخالد على الروم في معركة ملاذكرد.
عُرف بإسم (ألب أرسلان) ومعناها بالتركية (الأسد الباسل). كان رابع حكام الأتراك السلاجقة لقب بسلطان العالم أو بالسلطان الكبير أو الملك العادل.
بلغ حدود حكمه من أقاصي بلاد ما وراء النهر إلى أقاصي بلاد الشام، ورغم عظم مملكته، إلا أنه كان تابعاً للخلافة العباسية في بغداد
نجح السلاجقة في النصف الأول من القرن الخامس الهجري في إقامة دولة قوية في خراسان وبلاد ما وراء النهر على حساب الدولة الغزنوية، وأن يعلنوا تبعيتهم للخلافة العباسية، ثم لم تلبث هذه الدولة أن اتسعت بسرعة هائلة؛ فسيطرت على إيران والعراق، وتوج «طغرل بك» إنجازاته العسكرية بدخول بغداد في 25 من رمضان 447هـ، 23 ديسمبر 1055م، وبدأ عصر جديد للدولة العباسية، أطلق عليه المؤرخون عصر نفوذ السلاجقة، حيث كانت السلطة الفعلية في أيديهم، ولم يبقَ للخليفة سوى بعض المظاهر والرسوم.
ويُعَدُّ طغرل بك من كبار رجال التاريخ، والمؤسِّس الحقيقي لدولة السلاجقة، نشأت على يديه، ومدت سلطانها تحت بصره، وغدت أكبر قوة في العالم الإسلامي، ونفخت الرُّوح في جسد الدولة العباسية الواهن، وبعد وفاة طغرل بك خلفه ابن اخيه، ألب أرسلان، الذي يعد من عظماء الإسلام، وبطل موقعة «ملاذكرد»، ضد الدولة البيزنطية، والتي استولى بعدها على أسيا الصغرى.
ويقول الدكتور علي الصلابي، في كتابه «دولة السلاجقة» إن «ألب أرسلان يعني (الأسد الشجاع)، هو السلطان الكبير الملك العادل عضد الدولة أبو شجاع من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم، تولى زمام السلطة في الدولة السلجوقية بعد وفاة عمه طغرل بك».
وتابع: «وكان ألب أرسلان قائدًا ماهرًا مقدامًا، واتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع إلى إخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته. كما كان متلهفًا للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها السلطان ألب أرسلان فأصبح زعيمًا للجهاد، وحريصًا على نصرة الإسلام ونشره في تلك الديار، ورفع راية الإسلام خفاقةً على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية».
ويشير «الصلابي» إلى أنه «لم تسلم الفترة الأولى من عهده من الفتن والثورات، سواء من ولاته، أو من بعض أمراء البيت الحاكم؛ فقضى على فتنة ابن عم أبيه، وكانت فتنة هائلة كادت تقضي على ألب أرسلان بعد أن استولى على الري عاصمة الدولة، وأعلن نفسه سلطانًا، وأحبط محاولة عمه بيغو للاستقلال بإقليم هراة سنة (457 = 1065م)، وبعد سنوات من العمل الجاد نجح ألب في المحافظة على ممتلكات دولته، وتوسيع حدودها، ودانت له الأقاليم بالطاعة والولاء، وأُخمِدَت الفتنة والثورات، وتصاعد نفوذه، وقويت شكوته، حتى أصبحت دولته أكبر قوة في العالم الإسلامي في سنة 1070م مما شجَّعه على التفكير في تأمين حدود دولته من غارات الروم».
يقول تامر بدر، في كتابه «قادة لا تنسى»: «عندما اطمَأَنَّ ألب أرسلان على استتباب الأمن في جميع الأقاليم والبلدان الخاضعة له، أخذ يُخَطِّط لتحقيق أهدافه البعيدة؛ وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية الشيعية في مصر، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السُّنِّيَّة ونفوذ السلاجقة، فأعدَّ جيشًا كبيرًا اتَّجه به نحو بلاد الأرمن وجورجيا، فافتتحها وضمَّها إلى مملكته، كما عَمِل على نشر الإسلام في تلك المناطق، وأغار على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلب، والتي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة (414هـ= 1023م) وأجبر أميرها محمود بن صالح بن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي بدلًا من الخليفة الفاطمي 1070م، ثم أرسل قائده التركي أتنسز بن أوق الخوارزمي في حملة إلى جنوب الشام، فانتزع الرملة وبيت المقدس من يد الفاطميين، ولم يستطعِ الاستيلاء على عسقلان، التي كانت تُعتبر بوابة الدخول إلى مصر».
معركة «ملاذكرد»
أغضبت فتوحات ألب أرسلان أرمانوس ديوجينس، إمبراطور الروم، فصمم على القيام بحركة مضادة للدفاع عن إمبراطوريته، ودخلت قواته في مناوشات ومعارك عديدة مع قوات السلاجقة، وكان أهمها معركة «ملاذكرد» في عام 463هـ، الموافق أغسطس عام 1070م.
قال «ابن كثير»: «وفيها أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج، وعدد عظيم وعُدد ليبيد الإسلام وأهله، فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه، وهم قريب من عشرين ألفًا، بمكان يقال له الزهوة، في يوم الأربعاء لخمس من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يختار السلطان ألب أرسلان يوم الجمعة بعد الزوال للمعركة، وذلك حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين».
وأورد لنا ابن كثير في «البداية والنهاية» أنه عندما تواجه الجيشان في «ملاذكرد»، نزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، كان ألب أرسلان عظيم الأمل في الله، فجمع فرسانه وخطبهم خطبة قال فيها: من أراد الانصراف فلينصرف، فما ههُنا سلطان يأمر وينهى، وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف، وعقد ذنب فرسه بيده، وقال: إما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيدًا إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، فما أنا اليوم إلا واحد منكم وغازٍ معكم فمن تبعني ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة، ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة، فقالوا: مهما فعلت تبعناك فيه وأعناك عليه، فبادر ولبس البياض وتحنط استعدادًا للموت، وقال: إن قتلت فهذا كفن، سأقاتل صابرًا محتسبًا، فإن انتصرنا فتلك نعمة من الله، وإن كتبت لي الشهادة فهذا كفني وحنوطي جاهزيْن، وأكملوا معركتكم تحت قيادة ابني ملكشاه».
يقول «بدر» في «قادة لا تنسى»: «فأنزل الله نصره على المسلمين فقتل المسلمون من الروم خلقًا كثيرًا، وأسر ملكهم أرمانوس، فلما أُوقف بين يدي الملك ألب أرسلان ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال: لو كُنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل؟ قال: كل قبيح، قال: فما ظنك بي؟ فقال: إما أن تقتل وتشهرني في بلادك، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني،قال: ما عزمت على غير العفو والفداء، فافتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وأن يطلق أسرى المسلمين، فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبَّل الأرض بين يديه، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة إجلالاً وإكرامًا، وأطلق له الملك عشرة آلاف دينار ليتجهز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيَّعه فرسخًا، وأرسل معه جيشًا يحفظونه إلى بلاده، ومعهم راية مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله».
ويشير «الصلابي» إلى أن «انتصار ألب أرسلان بجيشه الذي لم يتجاوز خمسة عشر ألف محارب على جيش الإمبراطور أرمانوس الذي بلغ مائتي ألف في معركة (ملاذكرد)، كان حدثًا كبيرًا، ونقطة تحول في التاريخ الإسلامي، لأنها سهلت إضعاف نفوذ الروم في معظم أقاليم آسيا الصغرى، وهي المناطق المهمة التي كانت من ركائز الإمبراطورية البيزنطية وأعمدتها، وهذا ساعد تدريجيًّا على القضاء على الدولة البيزنطية على يد العثمانيين، كما أن انتصار المسلمين في هذه المعركة لم يكن انتصارًا عسكريًّا فقط بل كان انتصارًا دعويًّا، إذ انتشر الإسلام في آسيا الصغرى، وضمت مساحة تزيد على 400 ألف كم إلى ديار المسلمين».
صفاته
يذكر «ابن الأثير» في كتابه «الكامل في التاريخ» شيئًا من أخلاق السلطان ألب أرسلان، قائلًا أنه «كان عادلاً يسير في الناس سيرة حسنة، كريمًا، رحيم القلب، شفوقًا على الرعية رفيقًا بالفقراء، بارًّا بأهله وأصحابه ومماليكه، كثير الدعاء بدوام ما أنعم الله عليه، اجتاز يومًا بمرو على فقراء، فبكى، وسأل الله تعالى أن يغنيه من فضله، وكان يكثر الصدقة، فيتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، كان حريصًا على إقامة العدل في رعاياه وحفظ أموالهم وأعراضهم».
ويقول ابن كثير، في «البداية والنهاية»، إن «أرسلان كان يقول: (ما كنت قط في وجه قصدته، ولا عدوًّا أردته إلا توكلت على الله في أمري، وطلبت منه نصري، وجاء في رواية قوله: أنا ملك الدنيا، وما يقدر أحد عليَّ فعجزني الله تعالى بأضعف خلقه، وأنا أستغفر الله وأستقيله من ذلك الخاطر، وعلى القادة والحكام أن يستشعروا نعائم الله عليهم، ويتذكروا فضله وإحسانه وينسبوا الفضل لله تعالى صاحب المن والعطاء والإحسان والإكرام)».
وفاته
يقول صاحب كتاب «قادة لا تنسى»: «لم يهنأ السلطان ألب أرسلان كثيرًا بما حقَّقه، ولم يجنِ ثمار نصره، ويُواصل فتوحاته؛ فقد قُتِلَ بعد عام من موقعة ملاذكرد على يد أحد الثائرين عليه يدعى يوسف الخوارزمي، وهو في الرابعة والأربعين من عمره في (10 من ربيع الأول 465 هـ= 29 من نوفمبر 1072م)، وخلفه ابنه ملكشاه»