فن القرطة الصخري
بقلم : نعمات المحلاوى
كاتبة وباحثة في الاثار المصرية القديمة، وعضو لدى رواق الحضارة للوعي الاثري .
°مناظر الثيران و الأبقار البرية في القرطة أثارت تساؤلات عديدة و لاسيما و أنها أقدم نقوش و رسوم صخرية معروفة في مصر حتى الآن و ترجع لفترة متأخرة من العصر الحجري القديم الأعلى .
°فنان القرطة قام بتجسيد و خلق الثيران في صورة فنية تكاد تكون متطابقة مع شكلها في الطبيعة realism .
كما أن الفن هنا يكشف عن خاصية هامة و هي : ظهور الحيوان من الوضع الجانبي profile و هي أحد أهم سمات الفن المصري القديم منذ بداياته الأولى .
في الواقع ، رسوم القرطة عبارة عن خطوط تحدد شكل الحيوان دون رسم تفاصيل تشريحية أخرى داخل جسده ، أي أن الفنان هنا انتج ما يعرف لنا outlines .
تمثيل واقعي بخطوط فنية بسيطة للتعريف بهوية الحيوان . الفن الواقعي realism في القرطة ، فن متطور إلى حد كبير ، و لاسيما و أننا نتحدث عن عصر حجري قديم أعلى مما يصعب قبول الطرح القائل بأن هذه النقوش هي أقدم نموذج فني صخري معروف في مصر في عصور ما قبل التاريخ ؟ ... يحتمل وجود محاولات أخرى أقدم زمنيا و لكنها لم تكتشف حتى الآن .
هل يوجد مشهد في رسوم القرطة ؟
ما معنى مصطلح مشهد في الفن ؟
المشهد الفني يعني : وجود علاقة أو صلة واضحة بين الأشكال المصورة في إطار فني واحد . في واقع الأمر أن معظم المناظر في القرطة لا تجمعها علاقة واضحة ، لأن معظم الحيوانات منفصلة عن بعضها البعض أو ربما يصعب علينا إكتشاف أي صلة محتملة بين معظم حيوانات القرطة . المشاهد هنا يغلب عليها طابع الفردية individualism .
عدم وجود صلة واضحة بين الحيوانات علاوة على تأكيد النزعة الفردية لمعظم الحيوانات ، هي من الدلائل التي تشير إلى تأريخ المناظر في العصر الحجري القديم الأعلى .
علاوة على ما سبق ، معظم الحيوانات تبدو و كأنها تسير في فراغ ، فلا وجود لخط تحديد الأرضية و هي من سمات الفن في العصر الحجري القديم الأعلى .
هل يوجد تنظيم فني في رسوم القرطة ؟
لا يوجد مثل هذا التنظيم حيث لا نشاهد أي مسافات متساوية بين تمثيل كل حيوان و الآخر .
و لكن الأمر المؤكد : إن معظم الحيوانات و لاسيما الثيران البرية رسمت من جانب أكثر من فنان واحد في أكثر من عصر واحد . رسوم القرطة جزء من كل . هي جزء من حضارة أخرى أشمل و أعم تعرف بإسم الحضارة السلسلية البلانية في جنوب مصر و تنتمي للعصر الحجري القديم الأعلى .
إذن ، يتبين لنا أن هذه الرسوم لا تحتوي على :
تنظيم فني متناسق و لا وجود لمشهد حقيقي و لا حتى وحدة في الإتجاهات حيث يتجه كل حيوان في إتجاه مختلف عن الآخر ، و يغلب على كل عنصر فني طابع الفردية .
و لكن نشير من جانب آخر لأمر هام :
في بعض المناظر القليلة يظهر لدينا تشكيل فني لثور يواجه ثور آخر . و أحيانا أخرى نجد ثور مصور فوق ثور آخر بشكل متعمد ، الأمر الذي يعني أن الفنان كان يتفادى أحيانا فكرة تداخل الحيوانات بأجسامها على بعضها البعض بطريقة فنية بارعة و متعمدة و هو على النقيض مما كان يحدث تارة أخرى بظهور بعض الحيوانات التي تداخلت و تقاطعت خطوط أجسادها على بعضها البعض .
فكرة وجود حيوان مواجه للآخر دون التداخل معه أو تصوير حيوان فوق الآخر بحيث يتم تفاديه ، هو أمر يعبر عن وجود فكرة فنية حقيقية في ذهن الفنان .
هل الثور الذي يواجه ثور آخر هما ذكر و أنثى ؟
نلاحظ من جانب آخر أن هناك منظر يحتوي على ثور صاعد و آخر فوقه هابط ، دون وجود خط تحديد الأرضية .
الثيران صورت بقرون متجهة للداخل . هي عبارة عن قرون هلالية الشكل و هو أقدم تصوير فني معروف لمثل هذه الثيران في مصر .
هناك شكل فني آخر مثير للإهتمام .
خطوط فنية بسيطة ( قام الباحث برسمها بخط اليد و تصويرها و عرضها في أحد صور المقال ) تعبر عن أجساد آدمية من الوضع الجانبي profile . هي خطوط تحريدية مختزلة لا تصور أي تفاصيل تتعلق باليدين أو الذراعين أو الأقدام . هي عبارة عن outlines مختزلة و محورة للجسم البشري من الوضع الجانبي .
وجود مؤخرة بارزة في تصوير هذه الأجسام المختزلة يعني أنها تعبر عن مفهوم الربة الأم . إذا دققنا النظر في هذه الخطوط ، سنجد انها لا تعبر عن وضع جلوس و لا وضع وقوف . هي تبدو مائلة .
فكرة ظهور الربة الأم في الوضع المائل هي أشبه ما تكون بهيئة تمائمية . المفاجأة المذهلة : ان الوضع المائل لتلك الربة ظهر اول ما ظهر فن العالم القديم في عصور ما قبل التاريخ في منطقة القرطة بجنوب مصر . هو نفس الوضع الذي سيظهر لاحقا في حضارة نقادة الأولى في بعض نماذج الفن .
المصدر:- تاريخ الفن القديم.