"عمر مكرم"
بقلم : مريم اسماعيل
كاتبه و باحثه ف التاريخ
عمر مكرم ابن أسيوط الذي بدأ واكمل مسيرته التعليمية في الأزهر الشريف وأصبح نقيبًا لأشراف مصر عام 1793م، وكان يتمتع بمكانة عالية عند العامة والخاصة.
تميزت حياة عمر مكرم بالجهاد المستمر ضد الاحتلال الأجنبي، والنضال الدؤوب ضد استبداد الولاة وظلمهم، وكان ينطلق في هذا وذاك من وعي إسلامي عميق و إيجابي.
ظهر "عمر مكرم" للعالم كقائد شعبي عندما قاد الحركة الشعبية ضد ظلم الحاكمين المملوكيين "إبراهيم بك" و"مراد بك"، عام 1795م ورفع لواء المطالبة بالشريعة والتحاكم إليها كمطلب أساسي كما طالب برفع الضرائب عن كاهل الفقراء وإقامة العدل في الرعية.
عندما اقترب الفرنسيون من القاهرة سنة 1798م قام السيد عمر مكرم بتعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلى جانب الجيش النظامي "جيش المماليك" وصعد إلى القلعة فانزل منها علماً كبيرًا اسماه الشعب "بالبيرق النبوي" وسار به من القلعة إلى بولاق ومعه ألوف من الشعب.
حين سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين، عرض عليه الفرنسيون عضوية الديوان الأول إلا أنه رفض ذلك، بل فضل الهروب من مصر كلها حتى لا يظل تحت رحمة الفرنسيين وعزله نابليون من منصبه ك نقيب الأشراف بسبب موقفه العدائى من الفرنسيين حتي تم القبض عليه في قلعة يافا و أمر نابليون ب إعادته الي مصر ولكن لم تأذن له القوات الفرنسية في دمياط العوده الى القاهرة وفرضت عليه الإقامة الجبرية هناك عدة شهور حتى عاد نابليون الي القاهرة فعاد عمر مكرم إلى القاهرة و خرج أعيان القاهرة للاستقباله و رافقوه حتي منزله وتظاهر بالاعتزال في بيته ولكنه كان يعد العدة مع عدد من علماء الأزهر وزعماء الشعب لثورة كبري ضد الاحتلال الفرنسي الثورة التي اندلعت في عام 1800م فيما يعرف بثورة القاهرة الثانية، وكان عمر مكرم من زعماء تلك الثورة، فلما خمدت الثورة إضطر إلى الهروب مرة أخرى خارج مصر حتى لا يقع في قبضة الفرنسيين الذين عرفوا أنه أحد زعماء الثورة وقاموا بمصادرة أملاكه بعد أن أفلت هو من أيديهم، وظل عمر مكرم خارج مصر ولم تدوم هجرته الثانية كثيراً فقد تطورت الأحداث في مصر تطور سريع حتي رحيل الحملة الفرنسية 1801م
قاد عمر مكرم النضال الشعبي ضد مظالم الأمراء المماليك عام 1804م، وكذا ضد مظالم الوالي خورشيد باشا سنة 1805، ففي سنة 1805 م بدأت الثورة، و عمت جميع أنحاء القاهرة وأجتمع العلماء بالأزهـر وأضربوا عن إلقاء الدروس وأقفلت دكاكين المدينة وأسواقها، واحتشدت الجماهير في الشوارع والميادين يضجون ويصخبون، وبدأت المفاوضات مع الوالي للرجوع عن تصرفاته الظالمة فيما يخص الضرائب ومعاملة الأهالي، ولكن هذه المفاوضات فشلت، فطالبت الجماهير بخلع الوالي، وقام عمر مكرم وعدد من زعماء الشعب برفع الأمر إلى المحكمة الكبرى وسلم الزعماء صورة من مظالمهم للمحكمة وهي إلا تفرض ضريبة على المدينة إلا إذا أقرها العلماء والأعيان، وأن يجلو الجند عن القاهرة وألا يسمح بدخول أي جندي إلى المدينة حامـلا سلاحه و مطالبين بعزل خورشيد باشا عن الحكم، وقرر الزعماء في دار الحكمة عزل خورشيد باشا وتعيين محمد علي بدلا منه بعد أن أخذوا عليه شرطًا: "بأن يسير بالعدل ويقيم الأحكام والشرائع، ويقلع عن المظالم وألا يفعل أمرًا إلا بمشورة العلماء وأنه متى خالف الشروط عزلوه" وصدرت فتوى شرعية من المحكمة على صورة سؤال وجوابه بشرعية عزل الوالي خورشيد باشا، وأنتهي الأمر بعزل الوالي خورشيد باشا، ونجاح الثورة الشعبية التي استمرت بقيادة "عمر مكرم" 4 أشهر، وأعلنت حق الشعب في تقرير مصيره واختيار حكامه، وفق مبادئ أشبه بالدستور تضع العدل والرفق بالرعية في قمة أولوياتها.
على الرغم من المساعدات التي قدمتها الحركة الشعبية بقيادة عمر مكرم، لمحمد علي بدءً بالمناداة به واليًا، ثم التشفع له عند السلطان لإبقائه واليًا على مصر وبالرغم من الوعود والمنهج الذي اتبعه محمد علي في بداية فترة حكمه مع الزعماء الشعبيين، بوعده بالحكم بالعدل ورضائه بأن تكون لهم سلطة رقابية عليه، إلا أن ذلك لم يدم حيث وجد محمد علي أنه لن تطلق يده في الحكم، حتى يزيح الزعماء الشعبيين و تزامن ذلك مع انقسام علماء الأزهر حول مسألة من يتولى الإشراف على أوقاف الأزهر بين مؤيدي الشيخ عبد الله الشرقاوي ومؤيدي الشيخ "محمد الأمير" وفي عام 1809، فرض محمد علي ضرائب جديدة على الشعب، فثار الناس ولجأوا إلى عمر مكرم الذي وقف إلي جوار الشعب وتوعد بتحريك الشعب إلي ثورة عارمة واستغل محمد علي محاولة عدد من المشايخ والعلماء للتقرب منه وغيرة بعض الأعيان من منزلة عمر مكرم بين الشعب كالشيخ محمد المهدي والشيخ محمد الدواخلي، فاستمالهم محمد علي بالمال ليوقعا بعمر مكرم. وكان محمد علي قد أعد حسابًا ليرسله إلي الدولة العثمانية يشتمل علي أوجه الصرف، ويثبت أنه صرف مبالغ معينة جباها من البلاد بناء علي أوامر قديمة وأراد أن يبرهن علي صدق رسالته، فطلب من الزعماء المصريين أن يوقعوا علي ذلك الحساب كشهادة منهم على صدق ما جاء به إلا أن عمر مكرم امتنع عن التوقيع وشكك في محتوياته فأرسل محمد علي يستدعي عمر مكرم إلي مقابلته، فامتنع عمر مكرم، قائلاً "إن كان ولا بد، فاجتمع به في بيت السادات." وجد محمد علي في ذلك إهانة له، فجمع جمعًا من العلماء والزعماء، وأعلن خلع عمر مكرم من نقابة الأشراف وتعيين الشيخ السادات بدلاً منه ، معللاً السبب أنه أدخل في دفتر الأشراف بعض الأقباط واليهود نظير بعض المال، وأنه كان متواطئًا مع المماليك حين هاجموا القاهرة يوم وفاء النيل عام 1805، ثم أمر بنفيه من القاهرة إلي دمياط.
استمر عمر مكرم في منفاه ما يقرب من 10 سنوات، وعندما حضر إلى القاهرة ابتهج الشعب به ولم ينس زعامته له، وتقاطرت الوفود عليه أما هو فكان السن قد نال منه ففضل الابتعاد عن الحياة العامة، ورغم ذلك كان وجوده مؤرقًا لمحمد علي؛ فعندما انتفض القاهريون ضد الضرائب الباهظة نفاه محمد علي ثانية إلى خارج القاهرة ظناً منه انه هو المحرك لهذه الانتفاضة حتي وافته المنية في 13 من مايو عام 1822.
كان عمر مكرم يمثل طرازاً فريداً بين زعماء العرب في التاريخ الحديث فقد كان مسلماً في عقيدته، ازهرياً في ثقافته، عربياً ف اصلته، عثمانياً في نزعته، و الزعيم الشعبي الذي التصق بالشعب وبث فيه روح العزة و الكرامة واستمد من الشعب قوته و مكانته و كان الشعب يهرع اليه كلما ذاد عليه مظالم الحكام واتصف بالشجاعة الأدبية و الصدق الصبر و الثبات ولم يستهواه جاه ولا مال و فقدت مصر بوفاته الزعامه الشعبية الحقيقية.
المراجع : عمر مكرم بطل المقاومة الشعبية.