"محمد الفاتح وفتح القسطنطينية"
بقلم «نورهان ماضي»
كاتبه وباحثة في الاثار المصرية وعضو بفريق رواق لنشر الوعي الآثري.
بسم الله والصلاة والسلام على اشرف الخلق سيدنا محمد ثم بعد:-
💟السلطان محمد الفاتح:-
هو السلطان محمد الثاني (٨٣١٣ه/١٤٨١م) يعتبر السلطان العثماني السابع في سلسلة آل عثمان يلقب بالفاتح وأبي الخيرات، حكم مايقرب من ثلاثين عاماً خيرا وعزة للمسلمين.
° تولى حكم الدولة العثمانية بعد وفاة والده في ١٦محرم عام ٨٥٥ه الموافق ١٨ فبراير عام ١٤٥١م وكان عمره آنذاك ٢٢ سنة ولقد أمتاز السلطان محمد الفاتح بشخصية فذة قد جمعت بين القوة والعدل، كما أنه فاق أقرانه منذ حداثته في كثير من العلوم التي كان يتلقاها في مدرسة الأمراء وخاصة معرفته لكثير من لغات عصره وميله الشديد لدراسة كتب التاريخ، مما ساعده فيما بعد على إبراز شخصيته في الإدارة وميادين القتال حتى أنه اشتهر أخيراً في التاريخ بلقب محمد الفاتح، لفتحه القسطنطينية، وقد انتهج المنهج الذي سار عليه والده وأجداده في الفتوحات ولقد برزت توليه السلطه في الدولة العثمانية بقيامه بإعادة تنظيم إدارات الدولة المحتله، واهتم كثيراً بالأمور المالية فعمل على تحديد موارد الدولة وطرق الصرف منها بشكل يمنع الإسراف والبذخ أو الترف.
°وكذلك ركز على تطوير كتائب الجيش وأعاد تنظيمها ووضع سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوافره في ذلك العصر.
💟ولقد ساعدته عوامل عدة في تحقيق أهدافه، منها الضعف الذي وصلت إليه الأمبراطورية البيزنطية بسبب المنازعات مع الدول الأوروبية الأخرى، وذلك بسبب الخلافات الداخلية التي عمت جميع مناطقها ومدتها، ولم يكتف السلطان محمد بذلك بل إنه عمل بجد من أجل أن يتوج انتصاراته بفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية.
💟فتح القسطنطينية:- تعد القسطنطينية من أهم المدن العالمية وقد اسست في عام (٣٣٠)م على يد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الأول، وقد كان لها موقع عالمي فريد حتى قيل عنها:-
"لو كانت مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها"
ومنذ تأسيسها فقد أتخذها البيزنطيون عاصمة لها وهي من أكبر المدن في العالم وأهمها، عندما دخل المسلمون في جهاد مع الدولة البيزنطية كان لهذه المدينة مكانتها الخاصة من ذلك الصراع، ولذلك فقد بشر الرسول {صل الله عليه وسلم} أصحابه بفتحها في عدة مواقف، من ذلك: ما حدث أثناء غزوة الخندق ولهذا فقد تنافس خلفاء المسلمين وقادتهم على فتحها عبر العصور المختلفة طمعا في أن يتحقق فيهم حديث الرسول {صل الله عليه وسلم} "لتفتحن القسطنطينية على يد رجل، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش"
لذلك فقد امتدت إليها يد القوات المسلمة المجاهدة منذ أيام معاوية بن أبي سفيان في أولى الحملات الإسلامية عليها سنة ٤٤ه ولم تنجح هذه الحملة، وقد تكررت حملات أخرى في عهده حظيت بنفس النتيجة.
كما قامت الدولة الأموية بمحاولة أخرى لفتح القسطنطينية وتعد هذه الحملة أقوى الحملات الأموية عليها، وهي تلك الحملة التي تمت في أيام سليمان بن عبد الملك سنة ٩٨ه .
💟وفي مطلع القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي خلف العثمانيون سلاجقة الروم وتجددت المحاولات الإسلامية لفتح القسطنطينية وكانت البداية حين جرت محاولة لفتحها في أيام السلطان بأيزيد"الصاعقه" الذي تمكنت قواته من محاصرتها بقوة سنة (٧٩٦ه/١٣٩٣م) ، وأخذ السلطان يفاوض الامبراطور البيزنطي لتسليم المدينة سلما إلى المسلمين، ولكنه اخذ يراوغ ويماطل ويحاول طلب المساعدات الأوروبية لصد الهجوم الإسلامي عن القسطنطينية، وفي الوقت نفسه وصلت جيوش المغول يقودها تيمورلنك إلى داخل الأراضي العثمانية وأخذت تبعث فساداً فاضطر السلطان بايزيد لسحب قواته وفك الحصار عن القسطنطينية لمواجهة المغول بنفسه ومعه بقية القوات العثمانية، حيث دارت بين الطرفين معركة أنقرة الشهيرة، والتي أسر فيها بايزيد"الصاعقه" ثم مات بعد ذلك في الأسر سنة (١٤٠٢م) وكان نتيجة ذلك أن تفككت الدولة العثمانية مؤقتا، وتوقف التفكير في فتح القسطنطينية إلى حين.
°وما إن استقرت الأحوال في الدولة حتى عادت روح الجهاد من جديد، ففي أيام السلطان مراد الثاني الذي تولى الحكم في الفترة (٨٢٤-٨٦٣ه/١٤٢١م-١٤٥١م)، ولقد جرت محاولات عدة من فتح القسطنطينية وتمكنت جيوش العثمانين في ايامه من محاصرتها أكثر من مرة.
💟لقد تأثر محمد الفاتح بالعلماء الربانين منذ طفولته ومن أخصهم العالم الرباني «أحمد بن اسماعيل الكوراني» وهو مشهود له بالفضيلة الثامنة، وكان مدرسه في عهد السلطان «مراد الثاني» والد «الفاتح» ، وفي ذلك الوقت كان محمد الثاني الفاتح أميراً في بلدة «مغنيسيا» وقد أرسل إليه والده عدداً من المعلمين ولم يمتثل أمرهم ولم يقرأ شيئاً حتى أنه لم يختم القرأن الكريم فطلب السلطان المذكور رجلا له مهابة وحدة فذكروا له المولى «الكوراني» فجعله معلما لولده وأعطاء قضيبا يضربه بذلك إذا خالف أمره، فذهب إليه فدخل عليه والقضيب بيده فقال:- أرسلني والدك للتعليم والضرب إذا خالفت أمرى فضحك السلطان محمد خان من ذلك الكلام، فضربة المولى الكوراني في ذلك المجلس ضربًا شديدًا حتى خاف منه السلطان محمد خان وختم القرأن في مدة يسيرة.
💟الإعداد للفتح:- بذل السلطان محمد الثاني جهوده المختلفة للتخطيط والترتيب لفتح القسطنطينية وبذل في ذلك جهوداً كبيرة في تقوية الجيش العثماني بالقوى البشرية حتى وصل تعداده إلى قرابة ربع مليون مجاهد وهذا عدد كبير مقارنة بجيوش الدول في تلك الفترة، كما عنى عناية خاصة بتدريب تلك الجموع على فنون القتال المختلفه وبمختلف أنواع الأسلحة التي تؤهلهم للعملية الجهادية فيهم، وتذكيرهم بثناء الرسول {صل الله عليه وسلم} على الجيش الذي يفتح القسطنطينية وعسى أن يكونو هم الجيش المقصود بذلك، مما أعطاهم قوة معنوية وشجاعة منقطعة النظير.
°كما كان لانتشار العلماء بين الجنود أثر كبير في تقوية عزائم الجنود وربطهم بالجهاد الحقيقي وفق أمر الله.
💟(أ) اهتمام السلطان بجمع الأسلحه اللازمة:
اعتنى السلطان عناية خاصة بجمع الأسلحة اللازمة لفتح القسطنطينية ، ومن أهمها المدافع التي أخذت اهتماماً خاصاً منه حيث أحضر مهندساً مجريا يدعى"أوربان" كان بارعاً في صناعة المدافع فأحسن استقبالة ووفر له جميع الإمكانيات المالية والمادية والبشرية.
(ب) الاهتمام بالأسطول:
ويضاف إلى هذا الاستعداد مابذله الفاتح من عناية خاصة بالأسطول العثماني حيث عمل على تقويته وتزويده بالسفن المختلفة ليكون مؤهلا للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية.
💟 ثانياً: الهجوم:
كانت القسطنطينية محاطة بالمياه في ثلاث جبهات، مضيق البسفور، وبحر مرمرة، والقرن الذهبي الذي كان محميًا بسلسلة ضخمه تتحكم في دخول السفن إليها، بالإضافة إلى ذلك فإن خطين من الأسوار كانت تحيط بها من الناحية البرية من الشاطئ بحر مرمرة إلى القرن الذهبي.
وقد عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لكي تكون صالحة لجر المدافع العملاقة خلالها إلى القسطنطينية، وقد تحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية في مدة شهرين حتى تمت حمايتها بقسم الجيش حتى وصلت الأجناد العثمانية يقودها الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس ٢٦ربيع الأول ٨٥٧ الموافق ٦أبريل ١٤٥٣م، فجمع الجند وكانو قرابة مائتين وخمسين ألف جندي، فخطب فيهم خطبة قوية على الجهاد وطلب النصر أو الشهادة وذكرهم فيها بالتضحية وصدق القتال عند اللقاء.
وحاول البيزنطيون أن يبذلو قصارى جهدهم للدفاع عن القسطنطينية ووزعوا الجنود على الأسوار، وأحكموا التحصينات واحكم الجيش العثماني قبضته على المدينة، ولم يخلُ الأمر من وقوع قتال بين العثمانين المهاجمين والبيزنطين المدافعين منذ الأيام الأولى للحصار وفتحت أبواب الشهادة وفاز عدد كبير من العثمانين بها خصوصاً من الأفراد الموكلين بالاقتراب من الأبواب.
💟 ثالثاً:مفاوضات بين محمد الفاتح وقسطنطين:-
استبسل العثمانيون المهاجمون على المدينة محمد الفاتح وصمد البيزنطيون بقيادة قسطنطين صمودا بطوليا في الدفاع، وحاول الإمبراطور البيزنطي أن يخلص مدينته وشعبه بكل مايستطيع من حيلة، فقدم عروضاً مختلفة للسلطان ليغريه بالانسحاب مقابل الاموال أو الطاعة ولكن الفاتح رحمه الله يرد بالمقابل طالبا تسليم المدينة تسليما، وكان مضمون الرساله:(فليسلم لي امبراطوركم مدينة القسطنطينية وأقسم بأن جيشي لن يتعرض لأحد في نفسه وماله وعرضه ومن شاء بقى في المدينة وعاش فيها في أمن وسلام، ومن شاء رحل عنها حيث أراد في أمن وسلام أيضاً).
💟عزل قائد الأسطول العثماني وشجاعة محمد الفاتح:
بعد هذه المعركة بيومين وقعت معركة أخرى بين البحرية العثمانية وبعض السفن الأوروبية التي حاولت الوصول إلى الخليج، حيث بذلت السفن الإسلامية جهوداً كبيرة لمنعها، وأشرف الفاتح بنفسه على المعركة من على الساحل وكان قد أرسل إلى قائد الأسطول وقال له: "إما أن تستولى على هذه السفن وإما أن تغرقها، وإذا لم توقف في ذلك فلا ترجع الينا حيا" لكن السفن الأوروبية نجحت في الوصول إلى هدفها ولم تتمكن السفن العثمانية من منعها، رغم الجهود العظيمة المبذولة لذلك، وبالتالي غضب السلطان محمد الفاتح قائد الأسطول بالطة أوغلى واتهمه بالجين.
أدرك محمد الفاتح عند ذلك أن الرحيل قد أعذر فتركه ينصرف واكتفى بعزله من منصبه، وجعل مكانه حمزة باشا.
💟خامسا: عبقرية حربية فذة:
لاحت للسلطان فكرة بارعة وهي نقل السفن من مرساها في بشكطاش إلى القرن الذهبي، وذلك بجرها على الطريق البري الواقع بين الميناءين مبتعدا عن حي غلطة خوفاً على سفنه من الجنوبين، وقد كانت المسافة بين الميناءين نحو ثلاثة أميال، ولم تكن أرضاً مبسوطة سهلة ولكنها كانت وهادا وتلالا غير ممهدة.
جمع محمد الفاتح أركان حربه وعرض عليهم فكرته، وحدد لهم مكان معركته القادمه فتلقى منهم كل تشجيع، وأعربو عن إعجابهم بها.
💟وكان الفاتح كلما مر بجمع من جنده خطبهم وأثار فيهم الحمية والحماس، وأبان لهم أنهم بفتح القسطنطينية سينالون الشرف العظيم والمجد الخالد، والثواب الجزيل من الله تعالي وستسد دسائس هذه المدينة التي طالما مالأت عليهم الأعداء والمتآمرين وسيكون لأول جندي ينصب راية الإسلام على سور القسطنطينية الجزاء الأوفى والإقطاعات الواسعة.
💟كان العثمانيون حريصين على الالتزام بقواعد الإسلام، ولذلك كان العدل بين الناس من أهم الأمور التي حرصوا عليها، وكان معاملتهم للنصارى بسبب دينهم،
°إن السلطان محمد الفاتح لم يظهر ما أظهره من التسامح مع نصارى القسطنطينية إلا يدافع التزامه الصادق بالإسلام العظيم وتأسيا بالنبي الكريم {صل الله عليه وسلم} ثم بخلفائه الراشدين من بعده الذين امتلأت صحائف تاريخهم التسامح الكريم مع أعدائهم.
تاريخ وفاتهُ:- يوم الأربعاء 1محرم الموافق فيه 3شُباط (فبراير).
💟تأليف:- على محمد محمد الصلابي.
دار التوزيع والنشر الإسلامية.
رقم الصفحات:
١٠٦،١٠٥،١٠١،١٠٠،٩٩،٩٨،٩٧،٩٦،٩٥،٩٤،٩٣،٩٢،٩١،٩٠،٨٩،٨٧،٨٦،٨٥ .
#رواااق.